ارتفع منسوب البحر الأبيض المتوسط 6 سم خلال 30 عامًا.. ورشيد والبرلس الأكثر تأثراً

«الأخبار» ترصد بالكاميرا وتحلل بالأرقام..  تأثير التغيرات المناخية في الإسكندرية والدلتا

 الإسكندرية تلجأ إلى الحواجز الصخرية لحماية المظلة الشاطئية من التآكل .. تصوير : عصام صبري
الإسكندرية تلجأ إلى الحواجز الصخرية لحماية المظلة الشاطئية من التآكل .. تصوير : عصام صبري

- خلال 30 عامًا ارتفع منسوب البحر الأبيض المتوسط 6 سم.. ورشيد  والبرلس الأكثر تأثراً

- درجة حمضية البحار ارتفعت بفعل الاحتباس الحراري مما يؤثر سلبًا على الحياة البحرية

- الحيوانات الصدفية مثل الكارديام والكابوريا تضررت  خلال آخر 10 سنوات

- الإسكندرية تلجأ إلى الحواجز الصخرية لحماية المظلة الشاطئية من التآكل وخوفاً من أن يمتد لمنازل ومصانع وأراض زراعية

- بعض مناطق الدلتا تشهد زحفا جوفيا لمياه البحر إلى الأرض الزراعية فأصبحت غير صالحة والوضع هناك خرج عن السيطرة

 

في شهر سبتمبر الماضي نشرت الأمم المتحدة تقريراً بشأن التغير المناخي، والذي ألقى بالمسئولية على العنصر البشري في ظاهرة الاحتباس الحراري وما تشهده الأرض من تقلبات حادة في الأحوال الجوية، أدت في مناطق عدة بالعالم لسلسلة كوارث طبيعية، تمثلت في فيضانات وحرائق غابات وموجات جفاف، ما أسفر عن مقتل المئات وتشريد الآلاف على مدار الأشهر القليلة الماضية. 

 

لذا كان لزاماً علينا أن نرصد بالكاميرا، متنقلين بين أكثر من مدينة، وبآراء خبراء وأكاديميين مختصين تأثير تلك الظاهرة على الإسكندرية والدلتا باعتبارهما الأكثر تأثراً بتغيرات مناخية يبدو أنها تحمل في جعبتها المزيد مما لا يسر بني البشر جراء ما اقترفته أيديهم.

 

أول ما يلفت نظر زائر الإسكندرية، هو رافعات عملاقة على امتداد طريق الكورنيش البالغ طوله 23 كم.. رافعات لا عمل لها سوى إنشاء حواجز صخرية على مقدمة الشاطئ، ولفهم الهدف من تلك الحواجز توجهت لمعهد بحوث الشواطئ بمنطقة حي شرق، لمقابلة الدكتور أيمن الجمل، نائب رئيس المعهد، وبسؤاله أجاب: "أهم وأخطر ظاهرة للتغير المناخي هي ارتفاع منسوب البحر، وهو ما يحدث بمعدل بطيء غير مثير للقلق حتى الآن".

 

وأضاف: "وعلى مدار السنوات الثلاثين الماضية رصدنا ارتفاعًا في منسوب مياه البحر قدره 6 سم، بمعدل 1,8 ملليمتر سنويًّا، وأكثر المناطق تأثرًا بتلك الزيادة توجد في دلتا النيل وتحديدًا في مدن رشيد (محافظة البحيرة) والبرلس (محافظة كفر الشيخ). 

 

ويتابع الدكتور أيمن "الهدف من تلك الحواجز الصخرية هو حماية المظلة الشاطئية من التآكل coastal erosion حيث إن الشواطئ واقعة تحت هجوم عملية نحر بفعل الرياح واندفاع الأمواج والمد والجزر، لذا نسعى لصد الأمواج بنوع معين من الصخور وفقًا لمواصفات ومعادلات هندسية معينة لكسر الأمواج". 

 

ولكن هل العوامل البحرية وحدها هي المسبب للتآكل؟.. يجيب الدكتور الجمل: "لا، بل إن ارتفاع منسوب مياه البحر سبب ثانوي، أما المتسبب الرئيسي في ظاهرة النحر هو بناء السد العالي، إذ أن فيضان نهر النيل كان يخلف وراءه رسوبيات تعوض عملية النحر، وتساعد في بناء أرض جديدة، أما بعد بناء السد، فالنحر مستمر ولكن لا يوجد تعويض". ويتابع بنبرة فيها الكثير من الحزن للأسف حجم الأراضي المفقودة في رشيد وكفر الشيخ كبير جدًا". 

 

 

سألته: وماذا إن لم يتم بناء تلك الحواجز الصخرية؟.. أجاب: "ستستمر عملية النحر وسيمتد التآكل لمنازل ومصانع وأراض زراعية.. تلك الحواجز تتكلف ملايين الجنيهات ولكنها تحجب خسائر بمليارات، وفي هذا الإطار تبذل الدولة مجهودًا لا يمكن إنكاره".  وهل ذلك يعني الاستماع لمن يقولون إن مناطق من الدلتا والإسكندرية سوف تغرق؟ أجاب الجمل بحزم "لا، ارتفاع منسوب مياه البحر أمر مهم وخطير ويجب التنبه له، ولكن ليس لدرجة الحديث عن الغرق.. ونحن هنا في المعهد نحاول أن نعرف ما الذي يمكن يحدث خلال الثلاثين عامًا المقبلة من خلال دراسات تأخذ العوامل كافة في الحسبان".

 

وعلى ذكر التوقعات المستقبلية تجدر الإشارة إلى معلومة على الموقع الرسمي للجنة الدولية للتغيرات المناخية IPCC، وهي منظمة دولية تتبع الأمم المتحدة وتتألف من ثلاثة آلاف من علماء المناخ، ومفادها أن منسوب مياه البحر سيرتفع بمقدار 68 سم بحلول عام 2050.

 

ويعقب الدكتور أيمن الجمل على هذه المعلومة بالقول "هذا السيناريو قابل للتحقق في بعض البلدان دون الأخرى، فهناك من يجزم بارتفاع منسوب مياه البحر مستقبلاً دون حساب أن مستوى الأرض نفسه قد يهبط، ومن ثَم لا يمكن القول إن مستوى البحر سيرتفع لهذا القدر، فضلاً عن أن تأثير التغيرات المناخية يختلف من بلد لآخر".

 

غير أن ارتفاع منسوب مياه البحر، ليس الشيء الوحيد الخطير الذي تحدث عنه الدكتور أيمن الجمل، حيث أكد إن ارتفاع درجة الحرارة بشكل عام نتيجة الاحتباس الحراري Global Warming، يؤثر سلبًا على الحياة البحرية إذ أن ذلك يرفع بالتبعية درجة حمضية ماء البحار والمحيطات، وهو "ما أثبته من خلال دراسات أجريتها على كائن الكارديام"، يتابع الدكتور أيمن، موضحًا "الكارديام من الكائنات ذوات الصدفتين (أو ذوات المصراعين)، ومن خلال دراسات أجريتها عليه على مدار عشر سنوات، اتضح لي أن سُمك وصلابة صدفتيه قلت بشكل كبير، والشيء ذاته ينطبق على الكابوريا، حيث أن ازدياد انبعاثات ثاني أكسيد الكربون وانخفاض نسبة الأكسجين الذائب في المياه، قلل من نسبة كربونات الكالسيوم الموجود في أجسام الحيوانات البحرية ذات الصدفتين".

 

ويختتم الدكتور أيمن كلامه بشرح السبب المباشر لارتفاع منسوب البحر، بقوله "الاحتباس الحراري الناتج عن زيادة معدل ثاني أكسيد الكربون المنبعث من الطائرات والسيارات، أدى إلى ارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض بشكل عام، وبناءً عليه حدث ذوبان في القطب المتجمد الشمالي، وتلك الكتل الثلجية الذائبة اتجهت إلى المحيطات والبحار ومنها البحر الأبيض المتوسط بطبيعة الحال، ولكن يجب الأخذ في الاعتبار أيضًا أن ارتفاع درجة الحرارة يزيد من كتلة الماء، بمعنى أن كمية ما من المياه يزداد حجمها وهي ساخنة عن حجمها وهي باردة".

 

رشيد

 

أنهيت لقائي مع الدكتور أيمن الجمل، وتوجهت في اليوم التالي إلى رشيد، وفي الميدان الرئيس لتلك المدينة المطلة على الفرع الغربي لنهر النيل، تلحظ أول ما تلحظ صندوق زجاجي بداخله نسخة مقلدة من الحجر الذي اكتشفه الفرنسيون في حملتهم على مصر عام 1799، وفك طلاسمه العالم الشهير شامبليون.

 

على مدار يوم كامل حاولت العثور على من يقودني إلى ما أبحث عنه، ووجدت ضالتي بمقهى شعبي في رجل يقترب عمره من السبعين.. يتمتع بقوام ممشوق ونظرات حادة وذهن متقد رغم المشيب وما تركه الزمن على وجهه من علامات. أخبرت الرجل الذي عرف نفسه بـ"الحاج حامد الرشيدي" عن سبب زيارتي للمدينة، فطلب مني إنهاء فنجان القهوة أولاً، ثم توجهنا معًا إلى منطقة على أطراف المدينة حيث شواطئها المطلة على البحر الأبيض. في الطريق أخبرني أنه قرأ الكثير عن مسألة التغيرات المناخية وتأثيرها على الحجر والبشر، ولكي يوضح الأمر قال كمن تذكر شيء ما فجأة "أنت عارف يا بيه، من 10 سنين بس كنت عشان أكل الكابوريا كان لازم أحط على الطبلية شاكوش صغير كده عشان أكسرها، إنما دلوقتي ممكن بأسناني المتخلعة دي أكسرها" كان كلام الرجل متطابقًا بشكل مذهل مع سرده الدكتور أيمن الجمل.

 

وحينما وصلنا إلى وجهتنا بعد المرور على نقطة تفتيش عسكرية، أمر قائدها بعبور السيارة على الفور بمجرد رؤية الحاج حامد، أخبرني الرجل العجوز" أوعاك تتطلع كاميرتك يا بيه.. المنطقة دي كلها ممنوع التصوير فيها"، ثم أشار إلى حاجز صخري لصد الأمواج وقال" الحاجز ده مبني من الثمانينيات"، ولكن الرجل نفسه فوجئ بأن حاجز آخر يجري تشييده على قدم وساق بواسطة القوات المسلحة لدعم الحاجز القديم في مواجهة عملية نحر لا تتوقف.

 

عودة إلى الإسكندرية

 

قبل أن أتوجه إلى كفر الشيخ عدت إلى عروس البحر الأبيض مرة أخرى، للحديث مع الدكتور صلاح سليمان، أستاذ الكيمياء وسُمية المبيدات بجامعة الإسكندرية، ورئيس مركز التنمية المستدامة بمكتبة الإسكندرية، وباعتباره أكثر الباحثين اهتمامًا بمنطقة الدلتا. وبسؤاله عما حدث في محافظة كفر الشيخ بفعل التغير المناخي، أجاب "تكمن المشكلة في أن المنطقة التي يحدها بحيرة البرلس جنوبًا والبحر الأبيض المتوسط شمالاً، ويحدها من الغرب إدكو ورشيد، ومن الشرق بلطيم، عبارة عن سهل منبسط، ومع ارتفاع منسوب مياه البحر يتشكل ضغط هيدرولكي (أي أن البحر يكبس المياه لأسفل) بفعل ذوبان الجليد وارتفاع درجة الحرارة، يقع ضغط على تلك المنطقة، فحدث زحف جوفي Intrusion لمياه البحر إلى الأرض الزراعية وفقدت كل خصوبتها وأصبحت غير صالحة للزراعة بالمرة.. الوضع هناك غير قابل للسيطرة"، ويؤكد الدكتور صلاح سليمان:" قرابة الـ 2800 أسرة في قرى "السيد البدوي" و"إبراهيم الدسوقي"، و"سيدي طلحة"، فقدوا منازلهم وليس أراضيهم الزراعية فقط"، قاطعته: إذن أنت مؤيد لمصطلح Climate refugees، أو "لاجئي المناخ" الذي بدأ يظهر في بعض وسائل الإعلام؟

-أجاب: للأسف نعم. 

 ويواصل الدكتور صلاح سليمان شرحه بالحديث عن مناطق تتعرض لموقف مشابه في الإسكندرية، وهي مناطق منخفضة حددها بـ" غيط العنب"، و"غيط الصعيدي"، ومنطقة "أبيس"، ويضيف "من وجهة نظري فإن منشآت مثل شركة العامرية للبترول في منطقة مرغم، وشركة الإسكندرية للبترول في منطقة وادي القمر، ما كان ينبغي لهما أن يُنشئا في هاتين المنطقتين لأنهما منخفضتان عن سطح البحر ومعرضتان للغرق.. وهذه رسالة يجب توجيهها للمستثمرين وصناع القرار: يجب وضع مسألة التغيرات المناخية، الآن ومستقبلاً، في الحسبان قبل اتخاذ أي قرار".

 

-سألته إذا كان هناك مظاهر أخرى للتغير المناخي في الإسكندرية، لا سيما وأن الحديث يدور في المدينة الساحلية عن أمطار هطلت بغزارة في منتصف أغسطس 2019 في سابقة لم تحدث من قبل، فأجاب" دعك من أمطار أغسطس 2019 والتي كانت مفاجئة بالطبع، لأن المفاجأة الأكبر تتمثل في الأمطار التي شهدتها مرسى علم وحلايب وشلاتين والبحر الأحمر والتي بدأت في السادس من أغسطس من العام الجاري 2021 واستمرت 4 أيام متواصلة.. دعني أؤكد أن  أمطار أغسطس ظاهرة غريبة لم تشهدها البلاد من قبل، وذلك بسبب ارتفاع درجات الحرارة والرطوبة على غير المعتاد في ذلك الوقت من السنة، إنها ظاهرة غريبة لم تشهدها مصر على مر تاريخها، ولم تكن محسوسة بهذا الشكل، كما أن العالم يشهد نوعا جديدا من المناخ.

 

فمن ظواهر التغير المناخي عواصف وأمطار غير متوقعة في مواعيد وبكميات غير متوقعة، على غرار ما حدث من سيول أغرقت الإسكندرية في شتاء 2015، وكذلك ما شهدته دول الخليج، السعودية والكويت والإمارات تحديدًا، على مدار السنوات الماضية، من سيول لم تكن تحدث من قبل"، وتابع مستفيضًا "بسبب الثورة الصناعية في العالم كله، تضاعفت نسبة ثاني أكسيد الكربون في الجو، لتصبح 400 جزء في المليون، بعدما كانت 200 جزء في المليون، فارتفعت درجة حرارة الأرض، وكل ذلك ناتج عن الأنشطة البشرية المعتمدة على استخدام الوقود الأحفوري. والنتيجة، على مستوى الزراعة، ظهور بكتيريا جديدة، تعيش في درجات حرارة عالية، في محصول الطماطم لهذا العام على سبيل المثال، وعلى مستوى الحياة البحرية حدث "تبييض" لبعض الأنواع من الشُعب المرجانية في البحر الأحمر، بمعنى أنها فقدت ألوانها".

 

ويؤكد الدكتور صلاح سليمان أن إيطاليا وإسبانيا وفرنسا أنشأت منذ قرابة العشر سنوات مراكز لمكافحة الملاريا، حيث تشير دراسات عدة إلى أن البعوضة الناقلة للملاريا بدأت تتحرك من جنوب وشمال السودان تجاه مصر وجنوب أوروبا، نتيجة للاحترار الحادث في تلك الدول.

 

كفر الشيخ

 

ذهبت أولاً، ومن خلال السير عبر الـGPS إلى المنطقة التي حددها الدكتور صلاح سليمان، وكانت بالفعل أشبه بصحراء جرداء، وتقول بعض الشواهد إن تلك الأرض كانت مزروعة يومًا ما، ولكن الملوحة تكمنت من التربة وبلغت منها كل مبلغ، وأصبح الملح طافحًا على السطح بشكل صارخ، بل إن مياه من البحر أوجدت لنفسها قناة في قلب الأرض.

 

وبالمصادفة التقيت عابر سبيل لفت انتباهه قيامي بتصوير التربة عن قرب، هيئته وما يحمله على دراجته النارية يقولان إنه فلاح يزرع أرضًا في مكان ما، وأغلب الظن أنه كان متوجهًا إلى بيته لتناول وجبة الغداء وربما القيلولة، وكان من الواضح أنه يريد أن يسألني عما أفعل ولكني باغته بالسؤال أولاً: منذ متى أصبحت هذه الأرض على هذا الحال؟ فأجاب "منذ 10 سنوات.. لقد هجرها أصحابها بعدما عانوا الأمرين في زراعة أي شتلات".

 

تركت الرجل وعدت إلى القاهرة بعدما اعتذرت عن دعوة كريمة منه للغداء، وبعد عدة أيام عُدت إلى كفر الشيخ مرة أخرى، ولكن توجهت إلى قلب المدينة هذه المرة، وهناك التقيت نهى عبد الفتاح، رئيس مجلس إدارة جمعية الشباب لتنمية المجتمع والموارد البشرية، والتي تعاونت مع الأمم المتحدة في عدة برامج ومشاريع لمكافحة ودراسة التغير المناخي في كفر الشيخ، وانطلقت معها في جولة سريعة شملت عدد من الأراضي التي كانت زراعية يومًا ما، وكأن كلمة السر هي عشر سنوات.

 

تؤكد نهى أيضًا أن تسمم أراضي كفر الشيخ بالملوحة" ظهر بشكل واضح منذ 10 سنوات بشكل تدريجي.. في المناطق الأكثر قربًا من البحر، وتحديدًا في مدن الحامول وبلطيم وأجزاء من مطوبس، ثم بدأ الزحف إلى الداخل"، وعند مدخل المدينة رأيت معها أرضًا تحولت إلى مزرعة سمك، بعدما فشل أصحابها في علاجها من الملوحة، ثم رأينا أرضًا ثانية أصبحت قاحلة تمامًا، ثم ثالثة لم تعد بنفس القدرة على إنتاج كم معقول بجودة مقبولة من المحصول. وتوضح نهى "محاولة تدوير الأرض مرة أخرى لعلاجها من الملوحة، أمر مكلف جدًا، ويشكل عبئًا من الصعب أن يتحمله الفلاح وحده، فتكلفة المحصول ترتفع، ومن ثَم ترتفع قيمته بالنسبة للمستهلك".

 

بينما كانت الشمس تتجه للغروب شاهدت سربًا من الفلاحين عائدين إلي منازلهم بعد يوم عمل شاق، فتوجهت إلي أحدهم وكان عجوزًا ستينيًّا يمتطي عربة كارو، وفي الخلف جاموسة يربطها حبل بمؤخرة العربة. عرفت الرجل بنفسي وما أريد معرفته، فقال بتلقائية شديدة" الأرض بقت عيانة.. لا بتقبل شتلة قمح ولا شتلة برسيم.. نص الأراضي على الحال ده"، وفجأة تدخل شاب ثلاثيني ملتح في الحديث، وسألني بعنف عن هويتي وما إذا كنت أحمل تصريحًا بالتصوير والحديث مع الناس.. لم أكترث له، فأخرج هاتفه المحمول من جيبه والتقط لي صورة، متوعدًا بإبلاغ الجهات الأمنية، باعتبار أن ما أسأل فيه قد يشوه سمعة مصر، بينما هو ومن معه "ناس بتحب بلدها"، هكذا قال بحزم وفخر، قبل إن يوجه حديثه للرجل العجوز قائلاً" يللا بينا يا حاج عبد الله"، وانصاع الحاج عبد الله بالفعل للشاب، رافضًا التقاط صورة أو استكمال الحديث، وأشاح بوجهه وانصرف وهو لا يلوي على شيء.